فصل: تفسير الآية رقم (74):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (74):

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمرهم ونهاهم، ذكر لهم ترغيبًا مشيرًا إلى ترهيب فقال: {واذكروا} أي نعمة الله عليكم {إذ جعلكم خلفاء} أي فيما أنتم فيه {من بعد عاد} أي إهلاكهم {وبوأكم في الأرض} أي جعل لكم في جنسها مساكن تبوءون أي ترجعون إليها وقت راحتكم، سهل عليكم من عملها في أي أرض أردتم ما لم يسهله على غيركم، ولهذا فسر المراد بقوله: {تتخذون} أي بما لكم من الصنائع {من سهولها قصورًا} أي أبنية بالطين واللبن والآجر واسعة عالية حسنة يقصر أمل الآمل ونظر الناظر عليها مما فيها من المرافق والمحاسن {وتنحتون الجبال} أي أيّ جبل أرتم تقدرونها {بيوتًا}.
ولما ذكرهم بهذه النعم مرغبًا مرهبًا، كرر ذلك إشارة وعبارة فقال مسببًا عما ذكرهم به: {فاذكروا} أي ذكر إذعان ورغبة ورهبة {آلاء} أي نعم {الله} أي الذي له صفات الكمال فلا حاجة به إلى أحد، فإحسانه هو الإحسان في الحقيقة {ولا تعثوا في الأرض} من العثي وهو الفساد، وهو مقلوب عن العيث- قاله ابن القطاع، وحينئذ يكون قوله: {مفسدين} بمعنى معتمدين للفساد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد}.
قيل إنه تعالى لما أهلك عادًا عمر ثمود بلادها، وخلفوهم في الأرض وكثروا وعمروا أعمارًا طوالًا.
ثم قال: {وبوأكم في الأرض} أنزلكم، والمبوأ: المنزل من الأرض، أي في أرض الحجر بين الحجاز والشام.
ثم قال: {تتخذون من سهولها قصورًا} أي تبوؤن القصور من سهولة الأرض، فإن القصور إنما تبنى من الطين واللبن والآجر، وهذه الأشياء إنما تتخذ من سهولة الأرض {وتنحِتون من الجبال بيوتًا} يريد تنحِتون بيوتًا من الجبال تسقفونها.
فإن قالوا: علام انتصب بيوتًا؟
قلنا: على الحال كما يقال: خط هذا الثوب قميصًا وأبر هذه القصبة قلما، وهي من الحال المقدرة، لأن الجبل لا يكون بيتًا في حال النحت، ولا الثوب والقصبة قميصًا، وقلما في حال الخياطة والبري.
وقيل: كانوا يسكنون السهول في الصيف والجبال في الشتاء، وهذا يدل على أنهم كانوا متنعمين مترفهين.
ثم قال: {فاذكروا آلاء الله} يعني قد ذكرت لكم بعض أقسام ما آتاكم الله من النعم، وذكر الكل طويل فاذكروا أنتم بعقولكم ما فيها {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} قيل المراد منه: النهي عن عقر الناقة، والأولى أن يحمل على ظاهره وهو المنع عن كل أنواع الفساد. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} أي: بعد هلاك عاد {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ} يعني: أنزلكم في أرض الحجر {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} وذلك أنه كانت لهم قصور يسكنون فيها أيام الصيف، وقد اتخذوا بيوتًا في الجبل لأيام الشتاء، فذكرهم نعمة الله تعالى.
فقال: اذكروا هذه النعم حيث وفقكم الله حتى اتخذتم القصور في سهل الأرض واتخذتم البيوت في الجبال.
{فَآذْكُرُوا آلاَءَ الله} أي نعم الله عليكم {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} أي: لا تعملوا في الأرض بالمعاصي. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ} أسكنكم وأنزلكم {فِي الأرض تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ} قرأ الحسن {وتنحتون} بفتح الحاء وهي لغة من {الجبال بُيُوتًا} وكانوا ينقبون في الجبال البيوت {فاذكروا آلاءَ الله وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ}.
فيه وجهان:
أحدهما: يعني أنزلكم في الأرض وهي أرض الحجر بين الشام والمدينة.
والثاني: فيها من منازل تأوون إليها، ومنه قولهم: بوأته منزلًا، إذا أمكنته منه ليأوي إليه، قال الشاعر:
وَبُوِّئَتْ فِي صَمِيمِ مَعْشَرِهَا ** فَتَمَّ فِي قَوْمِهَا مَبْوَؤُهَا

أي مكنت من الكرم في صميم النسب.
{تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} والقصور ما شيد وعلا من المنازل اتخذوها في سهول الأرض ليصيِّفوا فيها.
{وَتَنْحِتَونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا} لتكون مساكنهم في الشتاء لأنها أحصن وأبقى وأدفأ فكانوا طوال الآمال طوال الأعمار.
{فَاْذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ} فيه ما قدمنا، أي نعمه أو عهوده.
{ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفسِدِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: لا تعملوا فيها بالمعاصي.
والثاني: لا تدعوا إلى عبادة غير الله.
وفي العبث وجهان:
أحدهما: أنه السعي في الباطل.
والثاني: أنه الفعل المؤدي لضير فاعله. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا}.
{بوأكم} معناه مكنكم، وهي مستعملة في المكان وظروفه، تقول تبوأ فلان منزلًا حسنًا، ومنه قوله تعالى: {تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} [آل عمران: 121] وقال الأعشى: [الطويل]
فما بَّوأ الرحمان بيتك منزلًا ** بشرقيّ أجيادِ الصَّفا والمحرمِ

والقصور: جمع قصر وهي الدور التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت عن الناس قصرًا تامًا، والنحت النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {تنحَتون} بفتح الحاء، وقرأ جمهور الناس: بكسرها وبالتاء من فوق، وقرأ ابن مصرف: بالياء من أسفل وكسر الحاء، وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، وكانوا {ينحِتون} الجبال لطول أعمارهم، و{تعثوا} معناه تفسدوا يقال: عثا يعثي وعثا يعثو وعثى يعثى كنسى ينسى وعليها لفظ الآية، وقرأ الأعمش {تِعثوا} بكسر التاء و{مفسدين}: حال. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وبوَّأكم في الأرض} أي: أنزلكم.
يقال: تبوأ فلان منزلًا: إذا نزله.
وبوَّأتُهُ: أنزلته.
قال الشاعر:
وبُوِّئتْ في صَمْيمِ مَعْشَرِهَا ** فَتَمَّ في قَوْمِها مُبَوَّؤوهَا

أي: أنزلت من الكريم في صميم النسب؛ قاله الزجاج.
قوله تعالى: {تتخذون من سهولها قصورًا} السهل: ضد الحزن.
والقصر: ما شُيِّد وعلا من المنازل.
قال ابن عباس: اتخذوا القصور في سهول الأرض للصيف، ونقبوا في الجبال للشتاء، قال وهب بن منبه: كان الرجل منهم يبني البنيان، فتمر عليه مائة سنة، فيخرب، ثم يجدده، فتمر عليه مائة سنة، فيخرب، ثم يجدده، فتمر عليه مائة سنة، فيخرب، فأضجرهم ذلك، فأخذوا من الجبال بيوتًا. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض} فيه محذوف، أي وبوأكم في الأرض منازل.
{تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا} أي تبنون القصور بكل موضع.
{وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتًا} اتخذوا البيوت في الجبال لطول أعمارهم؛ فإن السقوف والأبنية كانت تبلى قبل فناء أعمارهم.
وقرأ الحسن بفتح الحاء، وهي لغة.
وفيه حرف من حروف الحلق؛ فلذلك جاء على فعل يفعل.
الثانية: استدل بهذه الآية من أجاز البناء الرفيع كالقصور ونحوها، وبقوله: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق} [الأعراف: 32].
ذُكر أن ابنا لمحمد بن سِيرين بَنَى دارًا وأنفق فيها مالًا كثيرًا؛ فذُكر ذلك لمحمد بن سيرين فقال: ما أرى بأسًا أن يبني الرجل بناء ينفعه.
وروي أنه عليه السلام قال: «إذا أنعم الله على عبد أحبّ أن يُرى أثر النعمة عليه» ومن آثار النعمة البناء الحسن، والثياب الحسنة.
ألا ترى أنه لو اشترى جارية جميلة بمال عظيم فإنه يجوز وقد يكفيه دون ذلك؛ فكذلك البناء.
وكره ذلك آخرون، منهم الحسن البصري وغيره.
واحتجوا بقوله عليه السلام: «إذا أراد الله بعبد شرًا أهلك ماله في الطين واللَّبِن» وفي خبر آخر عنه أنه عليه السلام قال: «من بَنَى فوق ما يكفيه جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه».
قلت: بهذا أقول؛ لقوله عليه السلام: «وما أنفق المؤمن من نفقة فإن خلفها على الله عز وجل إلا ما كان في بنيان أو معصية» رواه جابر بن عبد الله وخرّجه الدَّارَقُطْنِيّ.
وقوله عليه السلام: «ليس لابن آدم حقّ في سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب يوارِي عورته وجِلْف الخبز والماء». أخرجه الترمِذيّ.
الثالثة: قوله تعالى: {فاذكروا آلاءَ الله} أي نِعمه.
وهذا يدلّ على أن الكفار منعم عليهم.
وقد مضى في آل عمران القول فيه.
{وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ} تقدّم في البقرة.
والعِثيّ والعُثَوُّ لغتان.
وقرأ الأعمش {تعثوا} بكسر التاء أخذه من عَثِي يَعْثَى لا من عثا يعثو. اهـ.